روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | فضائل الصدق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > فضائل الصدق


  فضائل الصدق
     عدد مرات المشاهدة: 2946        عدد مرات الإرسال: 0

الصدق رأس الفضيلة، وأجمل خلق حميد اتصف بها الإنسان فيزداد هيبةً ووقارا، إن الصدق ضرورة لانتظام العالم، ففيه تحفظ الحقوق وتصان النفوس ويتم النظام ويعيش الناس أمنًا واطمئنانا، حقيقة الصدق الإتيان بما يطابق الواقع وإظهار الحقيقة على حقيقته، فهو عنوان الإسلام وميزان الإيمان وأساس الدين وخصلة حميدة في حق من اتصف بها، خصلة كمال في حق من اتصف بها، وقد أمر الله عباده المؤمنين بلزوم الصدق وصحبة الصادقين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، كونوا مع الذين صدقوا الله في إيمانه به: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا* لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ}.

أمة الإسلام، للصدق في الإسلام فضائل عديدة، فمن فضائل الصدق أن الصدق صفة من صفات ربنا جلَّ وعلا: {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}، ويقول أهل الجنة إذا دخلوها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ}، والله يقول: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا}، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلًا}، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا}، والصدق خلق محمد صلى الله عليه وسلم في جاهليته قبل أن يوحى إليه ثم ازداد صدقًا ويقينا صلى الله عليه وسلم، فهو الصادق الأمين معروف بذلك قبل الإسلام لما أردا الله به من الخير للعالم، فإن الله جبله على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، قال لقريش يوما: «لو أخبرتكم أن جيشا بهذا الوادي أكنت مصدق؟»، قالوا: ما جربنا عليك كذبةً قط، وسأل هرقل أبا سفيان أثناء كفره عن محمد صلى الله عليه سول قائلا: ماذا يأمركم به؟ قال: يقول: أعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ودعوا ما كان يعبد أسلافكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والصلة والعفاف، ولما اختلفت قريش قبل مبعثه بخمس سنين بعدما بنوا بيت الله الحرام وأرادوا وضع الحجر الأسود واختصموا كلن يقول إنه أولى بذلك اتفقوا على أن يحكمه ا أول دخل لهذا المسجد الحرام فيجعلوا حكمًا بينهم، فما هو إلا أن أطل محياه الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فلما نظروا إليه قالوا: هذا الصادق الأمين رضينا به حكما صلوات الله وسلامه عليه، فجاءهم وأمرهم أن يضعوا الحجر الأسود في كساء ثم تحمله كل قبيلة جزء منها ثم هو الذي يضعه بكفه الكريم صلوات الله وسلامه عليه، والصدق خلق أنبياء الله الذين أختارهم الله لإبلاغ شرعه ونصيحته للأمم قال الله جل وعلا عن إبراهيم عليه السلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}، وقال عن نبيه إسماعيل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا}، وقال عن إدريس: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا* وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}، وقال أيضًا عن يوسف عليه السلام تخبر: {امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ}، وقال عن مريم: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}.

أيُّها المسلم، ومن فضائل الصدق أنه صفة أهل الإيمان في إيمانهم قال جلَّ وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ}، ومن فضائل الصدق أنه سبب لدخول الجنة قال الله جلَّ وعلا: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصِّدْقَ ليَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ ليَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ولا يزال العبد يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا»، ومن فضائل الصدق أن صاحبه مرافق للنبي صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم قال الله جلَّ وعلا: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}، ومن فضائل الصدق أن الله وعده بالثواب العظيم: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}، ومن فضائل الصدق أنه ينجي أصحابه من المضايق والمهالك، فالثلاثة الذين تخلفوا يوم تبوك قال كعب بن مالك: يا رسول الله لقد أتيت جدلًا استطيع أتخلص من موقف ولكن أصدق الله وأرجوا أن يكون خيرا: فتاب الله عليهم: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، ومن فضائل الصدق أنه خلق المؤمن كما أن الكذب خلق المنافق يقول صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ»، أما المؤمن عكس ذلك إذا حدث صدق، ومن فضائل الصدق أنه طمأنينة وسكينة يقول صلى الله عليه سلم: «مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ، والصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ»، ومن فضائل الصدق البركة في الرزق في البيع والشراء يقول صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»، ومن فضائل الصدق أن الناس يثقون بالصادق في أمورها كلها ويطمئنون إليه لعلمهم بصدقه وأن على الحق لا متظاهر بخلاف ما يعتقد، ومن فضائله إجابة الدعاء الصادق يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ».

أيها المسلم، والصدق له مجالات عظيمة سواء كان بين العبد وربه، أو في تعامله مع نفسه، أو مع الناس، أو في أقواله وأعماله، وأعظم من ذلك صدقه مع ربه في الأقوال والأعمال، في الظاهر والباطن، في الطاعة والإتباع وتكون حركاته وسكراته فيما يرضي الله عنه فيكون صادقًا في دينه، صادقًا في إيمانه بعيدا عن النفاق والخداع، وكذلك الصدق في التعامل مع نفسك فتترك خداعها وإهمالها وتقف معها لحظات تحاسبها لكي تمسك زمامها فلا تطغي عليك ولا تخرجك عن الطريق المستقيم «كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها»، وتعاملك مع الناس بحب الخير لهم والنصح لهم وحسن التعامل معهم والبعد عن غشه وإلحاق الضرر بهم وأنت صادق فيما تقول، فالصدق وسام شرف يحمله الصادق ويطمأن إليه، وأنت صادق فيما أوكل إليك من عمل فتقينه وتؤديه على الوجه المطلوب، ورحم الله عبادًا عمل عملا فأتقنه.

أيها المسلم، لقد أثر الصدق على الصادقين، فظهر منهم العجائب في صدقهم فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أصدق الناس إيمانا أصدقهم يقينا ظهر الصدق عليهم في أحوالهم كلها، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه صدق رسول الله كذبه الناس وتخل عنه الناس فكان صديق هذه الأمة ولهذا لقب بالصدق الصديق: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ}، فكان أسرع الناس في تصديق رسول الله صلى الله وسلم وأسبقهم في تأييده فكان أفضل الصحابة رضي الله عنه بل هو أفضل خلق الله بعد الأنبياء رضي الله عنه وأرضاه، أنس بن النضر يوم أحد فأتوا يوم بدر فقال: لئن بلغني الله مشهد مع نبيه ليرني الله مني ما أفعل وكره أن يقول أكثر من ذلك، فلما كان يوم أحد وانكتما الصحابة وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعله المشركون وأعتذر إليك مما فعله أصحابي، فالتقى بسعد بن معاذ، وقال يا سعد: آهٍ لريح الجنة أني لأجدها من دون أحد فتقدم وقاتل حتى قتل، قالت أحد قريباته: فجدنا فيه بضعًا وثمانين ما بين ضربة بالسيف، وطعنةٍ برمح، ورميةٍ بسهم، قال أنس: كنا نتحدث عن هذه الآية نزلت فيه وأمثاله: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}، الصدق حملة سعد بن أبي وقاص للدفاع للرسول يوم أحد أعطهم فيقول: ارمهم فداك بأبي وأمي، وأبو دجانة يدنس عن رسول الله ويتلقى النبلة في ظهره صابرًا متحسبًا حتى فرج الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا الصدق الذي أوصلهم وبلغهم تلك المنازل العالية الصدق في أصحاب رسول الله صدقوا الله في إيمانهم فتأتيهم الأوامر الشرعية تخالف الأهواء فيستجيبون لذلك، لما أنزل الله تحريم الخمر قال أنس: كنت أسقي أبا طلحة، فلما بلغ النهي قال: أرقه أرقه، قال: استقبل الصحابة برواية الخمر إلى الأسواق وشنها في الطرقات وتخلوا عنها في أسرع وقت، فلما بلغهم أن القبلة تحولت إلى الكعبة وهم يصلون تحولوا يا معاشر المسلمين لقد أنزل على الرسول في البارحة من الكتاب وأمر باستقبال القبلة وكانوا في قباء، قالوا: فتحولوا نحوا القبلة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن صدقهم أنهم صبروا في نشر الدين ونصر الإسلام حملوا هذا الدين بعد نبيهم إلى الأرجاء المعمورة فنشروا دين الله بصدق وأمانة وعدل وإيمان وإنصاف لا غلو ولا تفريط ولكن بصدق وأمانة حملوا هذا الدين وبلغوه من بلغوا هذا العالم بصدق وأمانة وعفة ونزاهة فرضي الله عنهم ورضوا عنه وجازيهم عن نبيه وعن الإسلام خيرا.

أيها المسلمون، هكذا أثر الصدق، فلنصدق الله في إيماننا، ولنصدق الله في إخلاصنا، ولنصدق الله في أعمالنا كلها، فلا ينجينا من عذاب الله إلا صدقنا العظيم الذي نلتزم به نخالف المنافقين الذين كذبت ألسنتهم وكذبت قلوبهم، لكن المؤمن صادق في قوله، صادق في فعله، صادق في تصرفاته كلها، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

الكاتب: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.

المصدر: خطبة الجمعة لمفتي المملكة العربية السعودية بتاريخ 30/ 4/ 1433هـ.